تعلّم أن تقول
تعلّم أن تقول "لا" للشيطان
للراهب أفرام باناوسيس[1]
 
 
** من هو الشيطان؟ يعلّمنا الكتاب المقدّس بأنّ الشيطان كان ملاكًا ينتمي إلى العالم الروحيّ. لقد خلق الله الملائكة لكي يخدموا إرادته، وسبق خلقُهم خلقَ المادّة والبشر. ويخبرنا سفر الرؤيا عن الملائكة بأنّهم: "... ربوات ربوات وألوف ألوف" (رؤيا 5: 11)، أي عدد لا يحصى. تتمتّع الملائكة بأنّها عديمة الأجساد وحرّة وخالدة. وككائنات حرّة لها المقدرة أن تبقى صالحة، ولكّنها ليست عادمة السقوط، وهذا ما تعرّض له الشيطان لمّا استولت عليه الكبرياء والافتخار، فسقط من النور إلى الظلام.11-copy-(1)-(1).jpg
 
إذًا، الكبرياء والتعالي هما السبب المباشر لسقطة الشيطان من رتبته الملائكيّة الأولى. طغمة كاملة من الملائكة مع رئيسها ليسيفورس ناهضت الله، فتحوّلت شياطين أشرارًا مخيفين.
 
وهنا سؤال يفرض نفسه: هل كان للشرّ وجود قبل الشيطان أم الشيطان هو سبب الشرّ؟
 
الجواب واضح نستقيه من الكتاب المقدّس نفسه بالإضافة إلى أقوال الآباء القدّيسين. كلّ ما خلقه الله هو حسن وجيّد. وعلى هذا لا نستطيع أن نقبل فكرة أنّ الله خلق الشرّ. لذا، فأوّل من بدأ بالشرّ هو الشيطان وهو المبدع الوحيد له. ومنذ ذلك الوقت، ولكي ينتقم من الله، لا يهدأ الشيطان، مصرًّا ليوقع الإنسان في فخاخه.
 
لقد دعا الربّ الشيطانَ قاتلَ الإنسان، والآباء القدّيسون أطلقوا عليه اسم اللصّ بما أنّه يحاول، جاهدًا، أن يسرق من النفس الخالدة كنزها الثمين الذي هو النقاوة. ولكنّ الأمر الأسوأ أنّ الإنسان يسمع للشيطان مقدّمًا له، بدون تردّد، حرّيّته ليكون له عبدًا.
 
ما هو التشيطن؟
 
الإيمان بالشيطان الذي ينوب عن الإيمان بالله هو عبادة الشيطان. فالبعض يعدّلون ويغيّرون ويجمّلون من مفهوم الشيطان كعدوّ لله لكي يقبله الإنسان ويخدمه مقدّمًا له الضحايا. وهكذا، وبسبب توق البشر إلى الخلاص والسعادة، يقعون في مآزق لا مخرج منها يقدّمها لهم إبليس تحت ألف ستار ووجه، ولكن سرعان ما يكشف الشيطان عن وجهه الصحيح، فتعود النفس البشريّة غير قادرة على التملّص ممّا وقعت فيه وتغرق في الظلام واليأس.
 
لقد عرفت الكنيسة ظاهرة التشيطن منذ عصورها الأولى (السيمونيّة، البدع والهرطقات..)، ولذلك فهي لا تنفكّ ترشد أبناءها بطرائق متعدّدة، محذّرة إيّاهم من خداع الشيطان والوقوع في الفخاخ التي ينصبها لاقتناصهم.
 
لماذا يقترب الشيطان من الشباب بشكل خاصّ؟
 
أطلق الكتاب المقدّس والتقليد الأرثوذكسيّ على الشيطان أسماء متعدّدة: كاره الخير، الحسود، الخدّاع، العدوّ، الخصم، وفي كلّ هذه الأسماء يسود مفهوم الشرّ. يحاربنا الشيطان لأنّه لا يستطيع تحمّل أن يحتلّ الإنسان المرتبة التي سقط هو منها.
 
إنّ هذه الحرب المفتوحة، وإن بدت صعبة، تفيد المجاهد روحيًّا كثيرًا، ولكّن كثيرين لا يشعرون بها، بل يعيشون يومهم داخل مستنقع وحل الخطيئة غير مدركين المأساة التي هم فيها. من هنا بات من السهل أن ندرك لماذا يفضّل الشيطان الاقتراب من الشباب؛ فعطش الشباب لاختبار كلّ شيء فريد وحبّهم للمغامرة والمجازفة يؤدّيان بهم إلى مواجهة العدم والفراغ والفوضى.
 
يستغلّ الشيطان حاجة الشابّ لتذوّق كلّ ما هو ممنوع، أو على الأقل غير مرغوب به، فيخلق لهم عالمًا وهميًّا لا حدود له ولا شروط. يوشوش في آذانهم ألّا يهتمّوا بالنتائج ولا بنهاية هذا العالم قائلًا: سيكون كلّ شيء ملكًا لكم إن سجدتم لي. والشابّ يستهويه حبّ التملّك، فيخضع ويسجد!!
 
يتعرّض الشباب الموجودون في دائرة الشيطان، طبقًا لشهاداتهم، لهجومات يوميّة شيطانيّة تجتاحهم كانوا يقاسون منها أوّل الأمر، ثمّ صاروا يعتادونها ويتآلفون مع صورة الشيطان وإيحاءاته.
 
إلى أين تقاد الضحيّة؟
 
أوّلًا إلى الخوف والقلق، فكلّ شيء يعمل على إخضاعهم الحرّ ليكونوا أداة طيّعة لإبليس. يشير التكتم الذي يلفّ الطقوس والمذابح والهياكل والضحايا التي تُقّدَّم إلى العالم المظلم المخيف الذي يقدّمه الشيطان لضحيّته، مشكّلًا قيدًا لا ينحلّ، وإن حاول الإنسان أن يفهم أين هو وماذا يواجه، يشعر بحبّ الانتقام واللعنة، ولكنّه يبقى عاجزًا عن التخلّص، بالإضافة إلى سيطرة المخدّرات المرغم على تعاطيها.
 
من يقع ضحيّة فخّ التشيطن يبدو وكأنّه إنسان شبيه بالإنسان، يتوقّف عن أن يحبّ وأن يوجد وأن يحيا. وهكذا يدرك أنّه فقد الحرّيّة التي وهبه إيّاها الله، بل فقد كلّ ما هو جميل داخله. لقد نسي الله، وبات يكرهه. لذا، فالتشيطن يقود الإنسان إلى دمار شامل.
 
لقد مرّ أشخاص بهذه التجربة وأكّدوا أنهمّ كانوا يطلبون الانتحار كوسيلة للخلاص. ولكن ولكي يصلوا إلى هذه الدرجة، فلقد ماتوا روحيًّا قبل أن يموتوا جسديًّا، وذاقوا الغربة الكلّيّة عن الله والوجود في هوّة مظلمة وعزلة شيطانيّة لا نهاية لها.
 
هل من الممكن أن أقع أنا أيضًا؟
 
كلّ إنسان لا يحافظ على رباط قويّ مع المسيح ومع الكنيسة هو معرّض، من دون شكّ، لكلّ شكل من الغزو الشيطانيّ. خضوع الإنسان لإرادته الشخصيّة وأحكامه الذاتيّة في أموره الروحيّة وتحرّره من الإيمان الأرثوذكسيّ يسوّد صورة المسيح داخله، ويجعله عبدًا، دون أن يعلم، لتصرّفات وطباع وأخلاق شنيعة.11-copy-(1)-(3).jpg
 
يتقبّل الإنسان في بعده عن الله، بحسب المغبوط أغسطينوس، كلّ ما هو مخالف للصواب ومتناقص، فيسير في طريق الرفض والاعتراض.
 
يؤكّد الآباء القدّيسون بأنّه لا يمكن لقلب الإنسان، أو لفكره أيضًا، من أن يتوقّف عن العمل، لذا فإن لم يعمل في نطاق الله سيعمل حتمًا مع الشيطان. طريق آخر لا يوجد ولا يمكن أن يوجد. وهكذا نفهم أنّه من الممكن، إذًا، أن يقع كلّ إنسان في شباك الشيطان ويرتبك بها.
 
قد تكون الطرائق والوسائل مختلفة ولكنّ النهاية واحدة ومريعة ومخيفة، وقد لا ننجو منها. يحتاج الأمر إلى وعي وانتباه جزيلين، إذ قد يهرب أحدنا، أحيانًا، من إيحاء أو طريقة شيطانيّة واضحة ظاهرة، فيما يقبل ويوافق أمورًا غير ظاهرة ولا واضحة تفسده وتجرّه إلى الهلاك.
 
لذا، ومن كلّ ما سبق ذكره، فإنّ مسؤليّتنا الشخصيّة تقوم بدور بارز لئلّا نكون ضحيّة التشيطن، مبتعدين عن قراءة كتب لها علاقة بالسحر أو بنظام الأديان الشرقيّة. لا نثقنّ بالتنجيم أو التبصير وقراءة الفنجان أو الكفّ، ولا نشاهدنّ أو نحضرنّ طقوسًا شيطانيّة (عبادة الشيطان) بداعي الفضول وحبّ الاستطلاع. ولنحتفظ بطهارة نفوسنا ونقاوة أذهاننا لنتمكّن من التحرّر من نير الشيطان ورُبُطه التي قد لا تنحلّ بسهولة.
 
لا تخف، أيّها القارئ، فقوّة الشيطان واهية وليس صحيحًا أنّها غير مقهورة، فالمسيح بصلبه وفدائه قد غلب الشيطان وكسر سلطانه. لا أحد يستطيع أن يؤذينا إن لم نعطه الحقّ في ذلك. ولا ننسينّ، قطّ، بأنّ العلاقة الحيّة مع الكنيسة تجعلنا أقوياء لا ننثلم بسهام الشرّير. وعندما يساهم المؤمن الأسرار الكنسيّة المقدّسة لا يعود يخاف شيئًا.
 
لقد سبق أن أنكرنا، أثناء المعموديّة، الشيطان وأعوانه ولبسنا المسيح: "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم"؛ وإن كان الكسل قد أبعدنا عن الكنيسة حتّى هذا اليوم، فلنبدأ من جديد في تخطيط حياة جديدة ملؤها الإيمان المستقيم. ولا ننسينّ أنّ الاعتراف والمناولة مهمّان جدًّا لحفظنا من خطر التشيطن.
 
كما يقوم الانفتاح الكلّيّ الصادق للأب الروحيّ بدور أساس لحمايتنا. أمر آخر يفيد ألا وهو الاهتمام بأمور الرعيّة والقيام بأعمال الإحسان والمحبّة لكي يمتلئ كلّ فراغ داخليّ بالمسيح وحضوره. الصلاة، أيضًا، عنصر آخر يجعلنا نشعر بحرارة حضن المسيح لنا يحفظنا في حنانه ومحبّته.
 
لا تُبع، يا أخي، حرّيّتك لأحد، هذه العطيّة الثمينة التي نلتها من الله. عش محبّة الله وامتلئ من حضور المسيح، وعندئذ سوف يخافك الشيطان نفسه ويبتعد منك هاربًا.
 
[1] عن مجلّة الكنيسة اليونانيّة: Peirai?kh. VEkklhsi.a. شهر نيسان لعام 2000.