معرفة الربّ يسوع الإله - الإنسان والأمور التي تطرده من داخلنا

معرفة الربّ يسوع الإله - الإنسان والأمور التي تطرده من داخلنا
لسيادة المتروبوليت كلّينيكوس كاروسو Kallini.kou Karou.sou 

6-3-2024

كما أنّ عبّاد الشمس يلتفتون إلى الشمس، بالطريقة عينها علينا أن نلتفت نحن المؤمنين إلى شمس العدل، إلى الربّ يسوع. ينبغي أن يكون الربّ يسوع مركز تفكيرنا، والشوق الأكبر لقلبنا. يكمن سرّ الحياة الروحيّة في كيف نستطيع أن نتمسّك بالربّ داخلنا، وكيف نشعر بنسيم حضوره الروحيّ ونحسّ بوجوده في قلبنا.

يريد الربّ نفسه الإقامة فينا. هو نفسه أكّد بأنّه يقف على باب قلبنا ويقرع علّنا نفتح له ليدخل ويسكن فينا. وعندما نحظى بحضوره في قلبنا، نشعر بأنّنا أكثر الناس غبطة وسعادة، ونتذوّق أفراح السماء مسبقًا، ونحسّ بالهدوء والسكينة يغمراننا بشكل عظيم.

ولكنّ الربّ، هذا الزائر الحبيب، هو زائر لطيف جدًّا، رقيق بما لا يوصف، يرحل بسرعة لدى وقوعنا في أقلّ غفلة وعدم انتباه. لذا، بات من المفيد جدًّا أن نتطرّق إلى بعض الأمور التي تطرد الربّ يسوع من القلب البشريّ.11-copy-(1)-(2).jpg

1) تساهم الخطيئة بشكل عامّ، والغفلة والنسيان بشكل خاصّ، في إبعاد المسيح من داخلنا. الخطيئة هي السمّ الذي يسبّب الموت الروحيّ عندما تتملّك داخل النفس؛ وهذا الموت هو الإبعاد الحقيقيّ للمسيح من النفس البشريّة. ولكن تبقى الخطيئة سمًّا عندما لا ترافقها التوبة، وعدم التوبة هو الطرد الصريح للمسيح. إذًا، الخطر الحقيقيّ للنفس هو عدم التوبة بما أنّها هي التي تجلب لها نعمة الله، والربّ يرضى ويسرّ بدموع التائب.

أخطئت، أيّها الأخ، تب. أخطئت آلاف المرّات؟ تب آلاف المرّات، فالربّ يقبل التائب. أن يخطئ الإنسان ليس أمرًا مستعصيًا لا شفاء منه؛ وأمّا إن بقي بلا توبة، فهو يقترف خطيئة التجديف ضدّ الروح القدس. فالمؤمن الذي يتوب ويطلب رحمة الله سرعان ما يملك الربّ يسوع داخله، هو الذي يدعو المتعبين والثقيلي الأحمال إليه لكي يريحهم.

2) الأمر الثاني الذي يبعد المسيح من القلب البشريّ هو عدم الاستقامة في الحياة. ولا أعني هنا الكذب حصرًا وإن كان خطيئة يلام عليها الكاذب، ولكنّي أقصد عدم الإخلاص للربّ في الحياة. يريدنا الربّ أن نكون مستقيمين مُخلصين. أن نبتعد عن السطحيّة والتكلّف والتظاهر والمراءاة والنفاق والرياء، فهذه كلّها تساهم إلى حدّ بعيد في عدم التوبة.

3) الأمر الثالث هو قساوة النفس أو القلب أي عندما لا نملك أحشاء الرحمة والشفقة. من المعروف أنّ الربّ يغفر لنا ولا يغادرنا عندما نغفر نحن للآخرين، هو الذي قال: "إن غفرتم للناس زلّاتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ زلّاتكم"، كما علّمنا أن نقول في الصلاة الربّانيّة: "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن...". فقساوة القلب تجعل الله قاسيًا تجاهنا. تخلق القساوة ما يسمّى بيبوسة التقوى وجفافها، فكثيرون لهم ظاهر التقوى الخارجيّة، والتي تجعل الربّ يشيح الوجه عنهم. 

علينا أن يكون لدينا مقياسان أو محطّتان في حياتنا: الأوّل التسامح والرحمة والتساهل في تعاملنا مع الآخرين. والثاني، الحزم والدقّة في محاسبتنا لأنفسنا. من الضروريّ أن نبحث عن أسباب تدعونا إلى الرحمة حيال أخطاء الآخرين كما كان ربّنا ممتلئًا رحمةً وشفقةً على البشر إلى أقصى حدّ، ولكن، بالمقابل، لا يجب أن نفتّش عمّا يبرّر أنفسنا ولا ما يشفق عليها. 

4) بالإضافة إلى هذين الأمرين هناك أمر ثالث يطرد الربّ أكثر من غيره من داخلنا وهو إدانة الآخرين. "لا تدينوا لئلّا تدانوا.. بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد".

5) طبعًا هناك موانع كثيرة متعدّدة تحجب حضور المسيح في القلب، وإنّما هناك أمر جذريّ يفوق غيره يتوجّب الانتباه إليه هو الأنانيّة وشدّة إعجابنا بأنفسنا. فالربّ يُنعم على المتواضعين ولايقيم، أبدًا، في النفوس المتعالية الأنانيّة المتكبّرة. الإنانيّة هي حالة مَرَضيّة. إنّها جذر كلّ الشرور. إنّها الغرغرينا العظمى للحياة الروحيّة. إنّها هوى لا شفاء منه. ولكن إن نجحنا في التغلّب عليها نكون قد قمنا بظفر عظيم، وعندئذ سيزورنا الربّ بلا شكّ لأنّه هو القائل: "إلى من أنظر إلّا إلى المتواضع والمسكين".

6) إنّ إقامة المسيح في قلوبنا سرّ عظيم لسعادتنا وهو الدواء الناجع لأمراض النفس والحلّ الجذريّ لكلّ مشاكلنا. فعندما نشعر بحضور الربّ داخلنا يبدو لنا كلّ شيء جميلًا منيرًا وفردوسيًّا، وعندها نستعيد الحياة الحقيقيّة ونعيش الغبطة الدهرية منذ اللحظة الحاضرة.